حكم وأمثال



روى ابن القطامي عن الكلبى قال: قدم النعمان بن المنذر - أمير الحيرة - على كسرى - ملك الفرس - وعنده وفود الروم والهند والصين. وذكرت مناقب كل من هذه الوفود وعندما بدأ النعمان كلامه فافتخر بالعرب وفضلهم على جميع الأمم لا يستثنى فارس ولا غيرها.
فقال كسرى وقد أخذته عزة الملك: يا نعمان لقد فكرت فى أمر العرب فوجدتهم يعانون الذلة والمهانة والقلة والفاقة والبؤس والجهل والطيش


وعندما عاد النعمان إلى الحيرة استسمح كسرى فى أن يصحب معهم جماعة من حكماء العرب ليسمع كلامهم.
وكان من الذاهبين معه "أكثم بن صيفي" فقال:

"إن أفضل الأشياء أعاليها، وأعلى الرجال ملوكها، وأفضل الملوك أعمّها نفعا، وخير الأزمنة أخصبها، وأفضل الخطباء أصدقها، الصدق منجاة، والكذب مهواة، والشر لجاجة والحزم مركب صعب، والعجز مركب وطيء. أفة الرأي الهوى، والعجز مفتاح الفقر، وخير الأمور الصبر، حُسن الظن ورطة، وسوء الظن عصمة، إصلاح فساد الرعية خير من إصلاح فساد الراعي. من فسدت بطانته كان كالغاص بالماء. شر البلاد بلاد لا أمير لها. شر الملوك من خافه البريء. المرء يعجز لا محالة، أفضل الأولاد البررة، خير الأعوان من لم يُراء بالنصيحة، من حسنت سريرته، حسنت سيرته، يكفيك من الزاد ما بلغك المحل، حسبك من شر سماعه، الصمت حكمة وقليل فاعله. البلاغة الإيجاز، من شدد نفر، ومن تراخى تألف".

فتعجب كسرى من أكثم ثم قال: ويحك يا أكثم: ما أحكمك وأوثق كلامك! لولا وضعك كلامك فى غير موضعه.
قال أكثم: الصدق ينبىء عنك لا الوعيد.
قال كسرى: لو لم يكن للعرب غيرك لكفى.
قال أكثم: رُبّ قول أنقذ من صولٍ.

التوضيح:

بدأ الخطيب بداية تحمل التعظيم للملوك وبيّن أن أعظم الملوك من كان أكثرها نفعا،
وخير الأزمنة أكثرها خيرا، وأفضل الخطباء أكثرهم صدقا، والصدق ينجى الإنسان،
والكذب يؤدى إلى الهلاك، والشر الحقيقي هو التمادي فى الشر، والضبط والإتقان أمر صعب،
والعجز يؤدى إلى الحاجة والفقر، وعلى الإنسان أن يكون حريصا فى تعامله مع الناس،
فلا يأمن لكل واحد، وأن صلاح الناس مستمر، أما صلاح الراعي فيكون لفترة حكمه والشعوب باقية.

وعلى الآخر أن يختار أعوانه حتى لا يشعر بالحرج والضيق فى حياته.
كما أن شر البلاد التي ليس لها حاكم وشر الحكام من يخافه الرىء،
كما أن أعظم الأولاد الصالحون، وخير المساعدين من لا يتظاهر بالنصيحة،
ومن كانت نيته طيبة كانت سيرته طيبة، وعلى الإنسان ألا يكون جشعا فالقليل يكفيه وفى بعض الأوقات يكون الصمت حكمة، كما أن البلاغة لا تكون فى كثرة الكلام، الإنسان المتشدد ينصرف عنه الناس، ومن كان رحيما يجمع الناس حوله.

--------------------
أكثم بن صيفى، أحد حكماء العرب المشهورين. وكان من المعمرين، وقد نصح قومه نتيجة خبراته العريضة ومعرفته بأحوال الحياة وتقلب الزمن. وكان الملوك والأمراء يحبون الإستماع إلى قوله وخطبه؛ لأنه سديد الرأى، قوى الحجة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هل أعجبك الموضوع ..؟ هل استفدت منه ..؟ هل تتفق أو تختلف مع محتواه من وجهة نظرك ..؟ ننتظر منك تعليقك هنا أسفل الموضوع