صوت السلام

السلام أمل البشرية، سلام يقوم على العدل، وعودة الحقوق لأصحابها، سلام يحقق آمال الضعفاء، لأنه لا سلام ما دامت الشعوب الضعيفة مسلوبة حقوقها. والأبيات التي نعرضها عليك اليوم منتقاة من قصيدة طويلة للشاعر تشف عن أننا نريد من السلام جوهره، لا شعارات لا تحقق عدلاً ..

نزل السلاح عن المنابر، وانبرى * * * صوت الضمائر والعقول خطيبا

و دعا الدعاة إلى السلام فصادفوا * * * من كل قلب سامعا ومجيبا

قل للكماة الظافرين: تأهبوا * * * كم للسلام مواقعا وحروبا

والله، ما كسب الحروب  معاشر * * * ليس السلام لديهموا مكسوبا

*   *   *   *

إننا نريد من السلام لبابه * * * لا لفظه أو صكه المكتوبا

كم للسلام مواثقا عبثت بها * * * ريح السياسة شمألا وجنوبا

سيمت بها الأمم المهيض جناحها * * * رقا على أعناقها مضروبا

إن تكتبوا للسلم عهداً، فاجعلوا * * * دمع الثكالى بالمداد مشوبا

أو فانقشوا بدم الضحايا خطه * * * وتذكروا يوما قضوه عصيبا

صوغوه عدلاً للبرية شاملاً * * * لا مرتعا للأقوياء خصيبا

لن يستقيم لكم سلام ما شكا * * * شعب ضعيف حقه المسلوبا

*   *   *   *

بعض معاني الكلمات:

الكماة: جمع كمى. بمعنى الشجاع - تأهبوا: استعدوا - المعاشر: جماعات الناس - اللباب: قلب الشيء وصميمه - سيمت: عرفت بها - مكسوبا: أتى من كسب الحرب وخسر السلام، يعنى أضاع معنى انتصاره - الثكالى: أي الأم التي فقدت ولدها أو حبيبها - البرية الخلق - مسلوبا: أي انتزع حقه.

التوضيح:

يقول الشاعر: ضع السلاح وانبرى صوت العقول، داعيا إلى السلام، فصادف إجابة من كل من سمعه.

ثم يتوجه الشاعر ويقول للشجعان: استعدوا فالسلام مواقع وحروب أي أن الحرب ما كانت إلا لتحقيق السلام، فمن كسب الحرب وخسر السلام، فقد أضاع النصر.

والشاعر يقول إننا نريد جوهر السلام لا لفظه ولا وثيقته المكتوبة، فكم من مواثق وعهود أضاعتها السياسة، وأصبح الذل وشما مضروبا على أعناق شعوب مهيض جناحها، وفرض عليها ذل العبودية.

إن أردتم عهداً وميثاقاً وصكاً مكتوباً للسلام فلتجعلوا دموع الثكالى مداد لذلك العهد أو انقشوه بدم الضحايا، وتذكروا تلك الأيام العصيبة التي عاشوها. وصوغوا للبرية عدلا شاملا؛ لأنه لا عدل طالما هناك شعب ضعيف يعيش مسلوبة حقوقه، مغتصبة حريته ... إننا نريد سلام للأقوياء والضعفاء.

-------------------------

للشاعر: محمود غنيم، ولد عام 1902م، ودرس فى المعاهد الدينية، ثم مدرسة القضاء الشرعي وكلية دار العلوم .. وقد طوع الشعر لمقتضيات العصر والأفكار الجديدة فى إطار المحافظة، وهذا النص من ديوانه جـ1.