يا فتى العرب

الثقافة

الطفل فى سنواته الأولى معرفته لا تتجاوز بيته الذى نشأ فيه، ثم يخرج إلى الدنيا فيرى مظاهر للحياة غير ما كان يراه فى بيته وبين أهله، وحيث يشب ويكبر يكون كل همه أن يوسع معرفته بالناس وبالطبيعة التي تحيط به، وهذه الثقافة والمعرفة ستكون أساس حياته فى المستقبل ومعاملته للناس، وأداء عمله على خير الوجوه وأنفعها.

والنص الذى نقدمه يوضح ذلك ...

"كنت قبل اليوم طفلا رضيعا ... واليوم أنت غلام بدأت تدرك أنه كاد أن يأتي الوقت الذى فيه تحمل أنت على ظهرك متاعك، وتتزود أنت زادك ... ليس لك هدف غير المعرفة، المعرفة الموزعة على هذا الكون الذى تعيش فيه، وعلى أناس أنت تعيش معهم، غايتك الآن محصورة محدودة فيما يمكن أن تجنيه من علم: تفهم الطبيعة بمقدار ما امكن من فهم، وتفهم الناس بقدر ما فهم الناس الناس، إنها الثقافة زادك الأول فى الحياة.

إن دنياك - يا فتى العرب - يجب أن تكون أوسع الدنى، وأنت تستطيع أن توسع دنياك بالسفر، ولكن أكثر الناس يستطيع أن يوسع دنياه أكثر بالثقافة، ثم يضرب بالفكر فى مجاهل هذه الأرض فينيرها بثقافته فلا تصبح الأرض ضيقة، وفى السماء يخترقها بفكره - مع ثقافته - اختراقاً، فتنهدم السدود وتتباعد الحدود.

إن الدنيا - مع المعرفة - واسعة جدا، والاتساع راحة، والضيق ضيق فى الصدر، وضيق فى النفس.
لا تنس - يا فتى العرب - أن المعرفة كالبيت - بناؤها طبقى، كل طبقة منها تحمل طبقة، فأرس بثقافتك العامة على أساس متين ليحمل ما سوف يأتي فوقها من بناء مهني ليس دائما مخيف".

ما أراد الكاتب أن يقول ..

يبدأ الإنسان حياته طفلا رضيعا ضعيفا لا حول له ولا قوة، ثم يحبو ويمشى .. ثم يصبح غلاما وقد اقترب اليوم الذى يقوم فيه بتدبير شئونه كلها، ويسعى للحصول على ما يعيش منه دون أن يعتمد على أحد من الناس.

وهنا يكون هدفه هو الحصول على المعرفة - ؛ ليفهم الطبيعة والناس، ولن يستطيع ذلك إلا بزاد ثقافي واسع.

فالثقافة هي التي تجعل الدنيا واسعة؛ لأنها تجعل الإنسان يفكر طويلا فيما لا يستطيع أن يصل إليه من نواحي الارض، وجوانب الفضاء حتى يعرف الكثير عنها ... ومن ثم تنهار السدود وتتباعد الحدود.

إن الدنيا مع المعرفة واسعة جدا، والمعرفة كالبيت الذى يتكون من طبقات، وكل طبقة بها الكثير من الثقافة وألوانها، فلتكن ثقافتك يا فتى العرب لا حدود لها، ولا تقف عند حد معين من الثقافة. ونجن اليوم نعيش عصر القرية الواحدة مما يقرب بين الثقافات والشعوب.

----------------------------
للأستاذ: أحمد زكى .. أديب معاصر يكتب المقالات الأدبية والإجتماعية.
وقد كتب هذا المقال فى (مجلة العربي).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هل أعجبك الموضوع ..؟ هل استفدت منه ..؟ هل تتفق أو تختلف مع محتواه من وجهة نظرك ..؟ ننتظر منك تعليقك هنا أسفل الموضوع